"سيكولوجية الجماهير" بعد قرن: قراءة في فكر لوبون في ظل وسائل التواصل

"سيكولوجية الجماهير" بعد قرن: قراءة في فكر لوبون في ظل وسائل التواصل


📘 "سيكولوجية الجماهير" بعد قرن: قراءة في فكر لوبون في ظل وسائل التواصل

في عام 1895، كتب الفرنسي غوستاف لوبون كتابه الشهير "سيكولوجية الجماهير"، الذي أحدث آنذاك زلزالًا في فهم المجتمعات وسلوك الحشود.
واليوم، وبعد أكثر من قرن، نجد أن أفكاره عادت إلى السطح – وربما بشكل أكثر خطورة – بفضل ثورة وسائل التواصل الاجتماعي.
فهل كانت نبوءات لوبون صائبة؟ وهل نحن اليوم أمام "جماهير رقمية" تحكمها نفس القوانين التي تحدّث عنها في زمنه؟


🧠 ملخص أفكار لوبون: من الفرد إلى الجماعة

يرى لوبون أن الفرد بمجرد أن يذوب داخل "الجمهور"، يفقد هويته العقلانية ويتحوّل إلى كائن عاطفي، متقلّب، وسهل التأثر.
في الحشود، يتراجع التفكير النقدي، وتعلو الغرائز، ويصبح سلوك الفرد تابعًا للمزاج العام لا لقيمه الشخصية.

ويؤكد أن الجماهير:

  • تميل إلى التبسيط الشديد للأفكار.

  • تتأثر بالشعارات أكثر من الحقائق.

  • تنجذب للقادة ذوي الكاريزما أكثر من الحُجج المنطقية.

  • قادرة على التصعيد الجماعي المفاجئ: من الحماس إلى العنف.


🌐 من الميادين إلى المنصات: الجماهير في عصر السوشال ميديا

ما كان يقصده لوبون بالجمهور آنذاك كان الحشود في الشوارع والساحات.
أما اليوم، فقد أصبح "الجمهور" شاشة بين يديك، وزر إعادة التغريد، وقائمة التعليقات، وعدد الإعجابات.

وسائل التواصل الاجتماعي هي النسخة الرقمية للشارع الجماهيري، لكنها أكثر تأثيرًا، لأنها:

  • سريعة جدًا: تكوين الحشود الافتراضية يتم في ثوانٍ.

  • عاطفية جدًا: المنشورات المصحوبة بالغضب أو المبالغة تنتشر أسرع.

  • مجهولة الهوية: مما يمنح الجمهور الجرأة والهروب من المسؤولية.

  • مكرّسة للأثر لا للفهم: الأهم أن تُلفت الانتباه، لا أن تقدم مضمونًا.


📣 القادة الرقميون... والسلطة الرمزية

تمامًا كما وصف لوبون، فإن الجماهير لا تتبع المفكرين، بل تتبع المؤثرين، و"قادة الرأي" الذين يجيدون الخطاب العاطفي، لا التحليل العقلاني.
وبدل أن تسأل الجماهير: "ما صحة هذا القول؟"
فهي تسأل: "من الذي قاله؟ وهل لديه متابعون كثر؟"
وهكذا تُمنح السلطة الرمزية لشخص لا لأن حجته مقنعة، بل لأنه "شائع ومحبوب".


🧯 من خطر الجماعة... إلى فقدان الذات

واحدة من أخطر نتائج هذا التماهي الجماهيري هي فقدان الفرد لنفسه.
تذوب الآراء الشخصية في الرأي العام، وتُنسخ المواقف كما هي، دون مراجعة أو تبصّر.
في النهاية، يصبح الإنسان متابعًا لا مُفكرًا، وفاعلًا منساقًا لا حرّ الإرادة.


🧭 كيف نتجاوز فخ "سيكولوجية الجماهير الرقمية"؟

  • ✋ تريّث قبل التفاعل مع الأحداث العاطفية.

  • 👁️‍🗨️ راقب كيف تؤثر فيك الترندات، ومتى تنجرف.

  • 📚 اقرأ الفكرة لا فقط من قالها.

  • 🎯 اسأل: ما موقفي الشخصي الحقيقي، لا فقط موقفي الجماعي؟

  • 🧘‍♂️ درّب نفسك على الحضور الذهني لا الانسياق الآني.


✨ ختامًا

ربما لم يعرف لوبون الإنترنت، ولا تويتر، ولا يوتيوب.
لكنه فهم شيئًا عميقًا في النفس البشرية:
حينما نجتمع... قد لا نُصبح أقوى، بل قد نُصبح أضعف وعيًا.
والتحدي اليوم هو أن نحافظ على وعينا داخل ضجيج الجماهير، أن نبقى "أشخاصًا" لا مجرد "متابعين".



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال